Search This Blog

Wednesday 13 July 2011

محطة قطار طرابلس القديمة مساحة تفاعل شبابي

محطة قطار طرابلس القديمة مساحة تفاعل شبابي
المدينة مدينتان... وتعبير بالموسيقى للتلاقي ومغالبة الفقر
غناء شبابي وفي الخلف لوحة لمصلحة السكك الحديد.
هكذا تحولت المساحة اليابسة في محطة قطار طرابلس القديمة الى مساحة تفاعل. غابت هذه المرة اصوات الصدأ الميتة، لتحل مكانها اصوات بشرية، ربما لتعيد حنيناً مخبئاً الى زمن القطار وصفارته وعجقة ناسه الراحلين نحو الشرق بكل تناقضاته.

رحلة حنين دفينة، بٌثت في المكان المنسي بين عشب يابس وبقايا آليات ومقطورات ومحولات حديدية أكلها الزمن لكنها أبت ان تموت. لتبقى شاهدة على مكان وزمان لا يزالا حاضرين في ذاكرة المدينة. ذاكرة تستعيدها على الدوام مجموعة "اصدقاء محطة قطارات طرابلس" الضاغطة والتي تسعى لإعادة الحياة الى القطار، في أمل لامحدود عند أعضائها ان تتحول المحطة الى متحف عالمي حي يشهد على ان "التاريخ لا يموت".
نترك وراءنا وجوه المدينة المتناقضة، عابرين شارع "المئتين" الذي شهد معارك عنيفة منذ اعوام بين مقاتلي "فتح الاسلام" وعناصر من الجيش اللبناني ونتجه الى المحطة. المكان معزول رغم وجود المرفأ بقربه وضجيج الباخرات المرتحلة في البحر. جلبة غير اعتيادية في محيطها. انه احتفال بمناسبة مئوية المحطة. ضجيج شبان يجهزون آلاتهم الموسيقية ليعزفوا في حفل ضخم يسهم، كما يقول الياس خلاط (مؤسس المجموعة) بـ"إعادة صلة الوصل بين هذا الجيل وتاريخ مدينتهم"، مؤكداً ان هذا التواصل "الحديث" بين جيل الموسيقى والسرعة والتكنولوجيا وجيل "رحل" في ما مضى على متن القطار الى مدن ودول تغيرت في الخريطة وتبدلت هو "حقيقة يجب ان نعمل عليها لنعيد التلاحم بين ابناء المدينة وذاكرتها". هناك تفلتت حناجر الصغار الآتين لأول مرة الى المحطة ليشاركوا في رسم قطار ما، كما يتخيلونه قرب مركبة صدئة من مراكبه تعود الى صناعة المانية وتحت فيء شجرة خضراء كبيرة مرسوم على جدار قريب منها رسم "غرافيتي" جعلهم يتوقون الى تجربة الرسم بكل عفوية.  هناك اندمج بلال ضناوي مع صغار من عمره في غمرة الالوان الزاهية يرافقهم المخرج السينمائي معتز سلوم الذي راح يساعدهم في خلط الألوان وينظم جلستهم. يقول خلاط ان "مشاركة الأولاد على هامش الذكرى المئوية يأتي ضمن اهداف المجموعة. وذلك ليستعيد هذا الجيل من الصغار صورة القطار الذي غاب عن حياتهم وعن قصصهم التي يقرأونها، في حين كنا صغاراً نتوق للقطارات التي كنا نقرأها في قصص في زمن ليس ببعيد".
في المكان مجموعات تنتقل بحرية بين انقاض المحطة واجزاء القطار وتستبيح هدوءها عبر جولات تعريفية يقوم بها شبان متطوعين يضعون على صدورهم "لوغو" المجموعة. هؤلاء تطوعوا ليعرفوا الناس الى المحطة وتاريخها وابرز آلاتها وليعبروا معهم في جدرانها التي قصفت عشية الحرب الاهلية وتحطمت وتوقفت عن العمل. سدير عبدالهادي مراهق في الثالثة عشرة من عمره اتى الى المحطة بعدما ارسلت لوالدته بطاقة للمشاركة. انضم الى شبان ومصورين كانوا يتجهون لجولة في المحطة مع "الغيد" غسان البكري. غسان صار يشرح بطريقة " غريبة" وقريبة "من القلب والعقل" عن المحطة وعمل آلاتها". يقول غسان:" لا يمكن ان تقدم معلومات تاريخية وذكريات عنها بطريقة جافة. خصوصا ان هذا الجيل لا يمكن ان يستقبل المعلومة من دون سلاسة". هذه الطريقة الغريبة جذبت سدير الذي بقي في المحطة 4 ساعات وهو يقوم بجولات حتى كاد يحفظ كل شيء عنها وقرر ان يضع "نوت" عن زيارته لها على مدونته الالكترونية.
بعد انتهاء الجولات بدأ الحفل الموسيقي. الذي حضر له المحامي خالد مرعب والملقب بـ"أدو" مع مجموعة فرق موسيقية شمالية وبيروتية من اجل ضخ روح الشباب في مكان مليء بالذكريات المحنطة. يقول خالد ان الحفل هو  لفتح المجال للفرق الجديدة بأن تقول ما لديها وتعبر باغانيها وجو شبابها في مدينتهم وليس خارجها". حفل كشف ان في المدينة مدينتين. مزيج بشري مختلف بعضه عن بعض. شبان يأتون من حارات طرابلسية فقيرة يرتدون البسة حديثة ليستمعوا الى "فرغو" (ايهاب نحيلي) مغني الراب. فرغو كما يحب ان يناديه المعجبون به لا يتعدى الثامنة عشرة من عمره، لديه البومان غنائيان ومعظم مراهقي طرابلس يحفظون اغانيه التي تحكي قصصا يومية من واقعهم ومعاناتهم في بيئة فقيرة ومهملة، وبين ذواتهم المتصارعة مع رغبة التحرر اوالبقاء على تقاليد اهاليهم. وبين هوياتهم المختلفة والمكتظة في دواخلهم الحزينة، لا يجدون سوى اغاني "فرغو" ليعبروا من خلالها عن توقهم الى بعث الحياة في اجسادهم اليافعة. وشبان أتوا من شوارع حديثة وميسورة الحال جاؤوا ليستمعوا الى فرق موسيقية تتربى على موسيقى "بانك روك" التي يجدونها "فشة خلق" كما يقول الكسندر عكاري احد عازفي "الباس". موسيقى مرفوضة ومنبوذة ولكنها تستهويهم وتثير حشرية المحيطين بهم. يقول رامي حمدان انه لا يهمه رأي الناس بالموسيقى التي يعزفها ويحبها طالما انه مقتنع بها ويعبتر كل شخص لا يحبها مثله مثل "الشجرة"، لا يستطيع ان يشعر بما يجري. اما علاء عيد(15 سنة) الذي يغني ويعزف على الغيتار فأكد ان مشاركتهم في هذا الحفل هي الأولى لهم وهم جاؤوا ليشاركوا وليعبروا عن انفسهم ويطلقوا اغانيهم امام جمهور يجربهم للمرة الأولى. اما "مو" كبارة المتمرس بالموسيقى والذي يبدو ان جمهوره الكثيف حضر بكل عتاده ليشجعه وليرقص على انغام موسيقاه وصخبها الممزوج بالهدوء فقال: "انها مساهمة جيدة لاعادة الموسيقى الى  شرايين هذه المدينة المحافظة".
صهيب ايوب